«من
يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد».
للملح فوائد ومضار ، وكانت أهم فوائد
الملح قديما حفظ الأطعمة، واللحوم
تحديدا من التلف، وقد قالت العرب فيه
قديماً «من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ
فسد»، وهو مثل ذو مغزى عميق، فإذا كان
الملح فاسداً فكيف يمنع الفساد؟
فما القصة وراء هذا المثل؟ يروى أن
بدوي تزوج فتاة من قبيلته ذات
حسن وأدب وأخلاق ودين، ومضى عام على زواجه، ونشبت بينه وبين
أحد أبناء عمومته مشاجرة كبيرة، فقتله، وخوفا من القصاص، أخذ زوجته
وهرب بها بعيداً عن قبيلته ، وتوجه الى ديار قبيلة ثانية، . تعوّد صاحبنا
على مجالسة شيخ القبيلة التي لجأ
إليها في مجلسه مثله مثل رجال القبيلة
للسمر وتدارس مختلف الأمور، وفي أحد الأيام مرَّ الشيخ من أمام بيت
صاحبنا، وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها، واستولت على لبه وعقله،
وخطرت له فكرة شيطانية، وهي أن يُبعد الزوج عن البيت، لينفرد
بالزوجة، ويقضي منها وطراً
فعاد إلى مجلسه، وكان عامراً بالرجال
ومن بينهم صاحبنا فقال لهم: قد علمت أن هناك مرعى جيدا لإبلنا يبعد
عنا
مسيرة ثلاثة أيام، وأقترح أن يذهب نفر
منكم لمعاينة المرعى قبل أن ننتقل
اليه، ثم اختار أربعة من رجاله، وكان
من بينهم زوج المرأة.
وعندما أرخى الليل سدوله وانتظر إلى أن تنام الناس، سار إلى بيت
جيرانه حيث لم يكن فيه سوى المرأة وحيدة، وكانت نائمة، وقبل أن يصل
ارتطم في العامود وأحدث صوتاً مرعباً لها، أفاقت المرأة على الصوت .
صاحت: من بالبيت؟!
الشيخ: أنا فلان شيخ القبيلة!
المرأة : حياك الله! وماذا تريد يا شيخ العرب في مثل هذا الوقت؟!
الشيخ أذهلني جمالك عندما رأيتك، وسلبت عقلي وقلبي مني، وأريد قربك
ووصالك!
المرأة : لا مانع عندي! بشرط، عندي لغز، إذا حللته أكون لك كما تريد!
الشيخ: أشرطي وتشرَّطي، وجميع شروطك مُجابة!
المرأة : حتى لا يجيف اللحم يرشون عليه الملح ! فمن يُصلِحُ الملحَ إذا
الملحُ فسد؟! ولك أن تستعين بمن تريد، فإذا جئتني بالحل صرت لك كما
تريد!
الشيخ: أنصفتِ، وسآتيك بالحل في الليلة القادمة!
ذهب الشيخ إلى بيته بخفي حنين، وأمضى ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل
إلى نتيجة، وثاني يوم وكان الرجال جالسين في مجلسه .
سأل الشيخ الجالسين وبصورة مفاجئة : حتى لا يجيف اللحم يرشون عليه
الملح ! فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!
وكل من ردّ من الحضور كان ردّه على قدر فهمه وعلمه، فلم يقتنع الشيخ
برأي واحد منهم، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب الفطنة
والحكمة والعلم والأدب والدين موجوداً في المجلس، لكنه لم يقل شيئاً،
وانصرف جميع من في المجلس إلا هو لم ينصرف، فقد بقي في المجلس .
فصاح الشيخ في وجهه: أنت لم تجب على سؤالي!
قال له الرجل: أردت أن أكلمك على انفراد! فأصل اللغز هو عجز بيت من
الشعر قاله أمير أهل الحديث أبو سفيان الثوري، وبيت الشعر هو :
يا رجال العلم يا ملح البلد //// من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!
وإن لم يخب ظني فإنك راودت امرأة عالية المقام في الذكاء والعلم والدين
والأدب عن نفسها، فأرادت أن تصدك ولا تفضحك، وأن تكسبك كأخ لها
ولا تخسرك وتزيد إلى أعداء أهلها عدواً بحجمك ومقامك، وتحفظ بعلها
إن غاب وإن حضر، وقد قالت لك ما قالت، وكأنها تريد أن تقول لك ولمن
سمعك:
يا شيوخ العُرب يا ملح البلد //// من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
فهي تقصد: إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح
الملحُ اللحم ! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!